الدفع ….. من أجل التخلص ؟
يحدث في كثير من الأحيان صدور أحكام قضائية واجبة النفاذ ، ثم لا تجد تلك الأحكام طريقها إلى التنفيذ .
ولعل من أهم أسباب عدم تنفيذ الأحكام القضائية مماطلة المحكوم عليه مع ضعف جهة التنفيذ وعدم قدرتها على الزامه من جهة. وضعف تأهيل العاملين في الجهات التنفيذية عن طريقة التعامل مع مواد النظام المتعلقة بالتنفيذ على أموال المحكوم عليه من جهة أخرى.
كما أن من أهم الأسباب كذلك عدم إمتلاك جهة التنفيذ للسلطة اللازمة للتنفيذ على أموال المحكوم عليه متى ما كان المحكوم عليه خارجاً عن ولايتها كأن يكون المحكوم عليه خارج حدود المملكة العربية السعودية .
وأهم من تلك الأسباب ما بدأ يظهر أخيراً من تدافع في الاختصاص بين الجهات القضائية فيما يتعلق بمسألة الحجز على أموال المحكوم عليه . وخاصة بعد صدور نظام المرافعات الشرعية. والذي أفرد باباً لذلك أسماه " باب الحجز والتنفيذ " .
أقول ذلك بعد أن وقعت عيناي على حكم قضائي صادر من ديوان المظالم بالرياض حكمت فيه الدائرة لشخص المدعي على الشركة المدعى عليها في إحدى القضايا التجارية باستحقاق مالي قدره مليونان وسبعمائة ألف ريال سعودي .
ونظراً لمماطلة الشركة المدعى عليها عن سداد المستحق عليها لشخص المدعي فقد تقدم المدعى بدعوى أخرى أمام المحكمة العامة بالرياض مطالباً بالحجز التنفيذي على أموال الشركة المحكوم عليها لدى الدولة . مستنداً في دعواه تلك إلى امتلاكه حكماً نهائياً واجب النفاذ من جهة قضائية ولكون المحكمة العامة هي الجهة المختصة بإيقاع الحجز والتنفيذ على أموال المحكوم عليه وفقاً لما نص عليه نظام المرافعات.
غير أن قاضي المحكمة العامة قد أصدر حكمه بعدم إختصاص المحكمة العامة بنظر هذه الدعوى مؤكداً في سياق حكمه أن الجهة القضائية التي أصدرت الحكم هي الجهة القضائية التي تملك حق الحكم والحجز والتنفيذ على أموال المحكوم عليه.
غير أن المفاجأة كانت عندما لجأ المدعي في تلك الدعوى إلى ديوان المظالم باعتباره الجهة القضائية التي أصدرت الحكم مطالباً بإصدار حكم آخر يتضمن الحجز والتنفيذ على أموال المحكوم عليها حيث كانت المفاجأة أن أصدر ديوان المظالم حكمه بعدم إختصاصه في مباشرة إجراءات الحجز والتنفيذ المتعلقة بالاحكام القضائية النهائية الصادرة منه أو من غيره من الجهات القضائية الأخرى.
وقد كان صدور مثل هذا التدافع في الاختصاص دافعاً قوياً لي لبحث هذه المسألة ومعرفة وجهات نظر كل فريق وما يراه وما ينبغي أن يكون.
وقد رأيت أن المختلفين حول هذه المسألة قد انقسموا إلى قسمين :
القسم الأول : وهم الذين يرون اختصاص الدوائر التجارية بديوان المظالم بالنظر والفصل في الإجراءات اللاحقة للاحكام التجارية النهائية كإجراء الحجز والتهميش على الأحكام على أن يرجع في ذلك إلى نظام المحكمة التجارية أولاً فإذا خلا من تنظيم لهذه الإجراءات فيرجع بعد ذلك إلى نظام الديوان وقواعد الاجراءات أمامه فإن خلت فيرجع إلى القواعد العامة لموضوع الطلب ونظراً لخلو نظام المحكمة التجارية وقواعد المرافعات والاجراءات أمام الديوان ودوائره التجارية خالية من قواعد تنظيم الحجز التنفيذي ، فإن النظام الواجب التطبيق يكون نظام المرافعات الشرعية وما جاء فيه من نصوص.
ويرى القائلون بذلك أنه لا يغير من ذلك القول بأن تنفيذ الأحكام منوط بجهات التنفيذ فهذا أمر مقرر ابتداءً ولا جدال عليه. إلا أنه يُرد عليه ما إذا كانت أموال المدين المحكوم عليه بيد الغير مما لا سلطة لجهات التنفيذ عليه كأن يكون المدين خارجاً عن الولاية حيث يعود الاختصاص إلى القضاء المختص أصلاً بنظر المنازعة لإصدار الأمر بإيقاع الحجز على أموال المدين التي بيد الغير.
وقد صدر عن بعض الدوائر التجارية بديوان المظالم أحكام بالحجز والتنفيذ في بعض القضايا التجارية التي سبق لنفس الدوائر أن نظرت منازعاتها .حيث رأت تلك الدوائر أنه يتعين بعد توافر شروط الحجز والتنفيذ الواردة في المادة 202 من نظام المرافعات الشرعية القضائية إجابة المدعى بالحجز على أموال المحكوم عليه.
القسم الثاني : وهم الذين يرون أن ديوان المظالم جهة قضائية فحسب ينظر ما يعرض عليه من منازعات يختص بها ويفصل فيها بين طرفيها أو أطرافها ومتى أصبح الحكم نهائياً واجب النفاذ كان لصاحب الحق طلب تنفيذه أمام الجهات التنفيذية المعنية.
ويرى – أولئك – بأن الاختصاص في تنفيذ الأحكام القضائية النهائية وأياً كان مصدرها معقود بقسم الحجز والتنفيذ في المحاكم العامة تطبيقاً لنصوص نظام المرافعات الشرعية ولوائحه التنفيذية وأنه لا يعارض ذلك كون الحكم محل التنفيذ صادر من ديوان المظالم وليس من المحاكم العامة وذلك لأن نصوص نظام المرافعات الشرعية ولوائحه التنفيذية جاءت عامة باختصاص قسم الحجز والتنفيذ في المحاكم العامة بتنفيذ جميع الأحكام القضائية النهائية ولو كانت صادرة من غير المحاكم العامة.
واستدل القائلون بذلك ببعض المواد الواردة في نظام المرافعات الشرعية ولوائحه التنفيذية ومنها ما ورد بالمواد 202 - 217 – 202/1- 202/6 - 217 /2 - 217/3 – 217/5 والتي تنص في مجملها على أن الاختصاص في مسألة الحجز على ما للمدين منعقد للمشرف على قسم الحجز والتنفيذ وهو رئيس المحكمة أو قاضي التنفيذ وأن البيع بالمزاد في مسائل الحجز يكون بأمر من المحكمة وتحت إشرافها .
وبين ما يراه القسم الأول وما يراه القسم الثاني يوجد أشخاص من المحسوبين على القضاء ليسوا من هؤلاء ولا أولئك . فليس للدفع بعدم الاختصاص عندهم مستند بل غاية ما يذهبون إليه هو التخلص.
ومع هؤلاء تضيع الحقوق وتتعطل المصالح ، ويهاجر المستثمرون .. ويتأثر الاقتصاد وتتأخر مسيرة التقدم والنمو والازدهار .
أعتقد أن المسألة واضحة وليست بحاجة إلى كثير اجتهاد إنما هي بحاجة إلى فهم وقبل ذلك إلى إخلاص ….. نعم إخلاص..