والله العظيم شعب عظيم
بلد بدون دستور ولا رئيس جمهورية ولا مجلس نيابى ولا مجلس محلى وجهاز أمن منقوص بنسبة كبيرة.. ومع ذلك تتم محاكمة الرئيس المخلوع ونظامه الفاسد بكل شياكه وهدوء وتحضر.. محاكمة يديرها قاض رائع عمر عدالته خمسة آلاف عام هى عمر العدالة والقانون فى مصر.. نعم كان هناك فراعنة وصفوا كآلهة أو أنصاف آلهة.. لكن كان هناك قانون وكانت هناك محاكم.. بل أكثر من ذلك كان للفراعنة إله للعدالة هو الإله «ماعت».
هذه هى مصر وهذا هو شعب مصر.. الصبور الغيور على كرامته ونزاهته وحريته..
نعم مصر متفردة بشعب عريق وحضارة هى أم كل الحضارات ومن الصعب مقارنه مصر وشعبها بأى شعب آخر حتى ولو تشابهت الظروف ولعل بعضنا يتذكر محاكمة تشاوشيكو ديكتاتور رومانيا الشهير.. تلك المحاكمة التى لم تستمر أكثر من نصف ساعة!! بعدها تم إصدار حكم الاعدام وتنفيذه رميًا بالرصاص أمام كل كاميرات وأجهزة إعلام العالم.. حدث هذا فى أوروبا زعيمة التحضر والتنوير فى العصر الحديث.. وفى نهاية القرن العشرين يتم تنفيذ حكم الإعدام. على الديكتاتور وزوجته حتى دون أن يأخذ فرصة فى الدفاع عن نفسه.. نعم هو ديكتاتور عذب شعبه وأفقره وأمرضه وأذله بإدانته يشهد عليها كل الشعب الرومانى، فكان الحكم سريعًا والتنفيذ أسرع..
لقد تم استغلال محاكمة تشاوشيسكو سياحيًا بأن حضر المحاكمة وشاهدها على شاشات العرض أكثر من مليون سائح من أوروبا ومعظم دول العالم، وخرج إلى الشارع فى مدينة «بوخارست» أكثر من 5 ملايين رومانى ابتهاجًا بإعدام الديكتاتور..
وفى مصر يحاكم الظالم القاتل السارق المخلوع مبارك محاكمة مدنية حضارية راقية بحضور المحامين للدفاع عنه وفى فترة حبسه الاحتياطى يقيم فى مستشفى مجهز بأحداث الأجهزة الطبية للاشراف على صحته ومتابعة حالته المرضيه.. هل هناك تحضر أكثر من ذلك؟!
والله العظيم شعب عظيم.. وزير الإعلام المصرى أسامة هيكل يرفض بيع المحاكمة على الهواء لبعض الفضائيات ويخص بها التلفزيون المصرى. بل إنه رفض حتى الإعلانات خلال فترة استراحة المحكمة.. هل هناك تحضر أكثر من ذلك رغم أن التليفزيون المصرى يمر بضائقة مالية وكان يمكن استغلال المحاكمة - والتى أطلق عليها محاكمة القرن - لتسويقها تجاريًا والحصول على أموال طائلة من حصيلة الإعلانات وحق البث وغيرها.. ولكن هذه هى مصر وهذا هو شعب مصر كرامته لا تقدر بثمن يحاكم رئيسه الظالم الفاسد القاتل السارق، بكل عدل واحترام.. نعم احترام للعزة المصرية ومصرية الفرعون.. والله العظيم شعب عظيم.. شعب لا يريد الانتقام. إنما يريد العدل رغم أنه ظلم كثيرًا يريد الحقيقة رغم أنه خدع كثيرًا شعب تعدادة 85 مليون مواطن فى دولة مساحتها مليون كيلو متر مربع.. وبعد ثورة 25 يناير يعيش شهرين كاملين بدون شرطه أو أى جهاز أمن مركزى، ورغم ذلك كانت الجريمة فى معدلاتها الطبيعية تقريبًا، بل إن جرائم القتل العمد سجلت اقل معدلات خلال شهرى فبراير ومارس الماضى خاصة فى محافظات الوجة القبلى.
وقد علق على ذلك د. أحمد عكاشة عالم الطب النفسى الشهير عندما سأله أحد أصدقائه من العلماء الأوروبيين.. كيف عشتم هذه المدة الطويلة بدون شرطة أو أمن؟! لابد أنكم شعب عظيم يا دكتور أحمد!!
نعم الحضارة والتحضر ليست فى الفن والتقدم التكنولوجى فقط.. إنما الحضارة رصد السلوك الإنسانى وقت الأزمات.. والله العظيم شعب عظيم.
بقلم : حسن زعفان
