نسيناكم أيها الأسرى .. نسيناكم ..
نسيناكم أيها الأسرى ..
شغلتنا انفسنا واموالنا وسفراتنا وسياحتنا وسهراتنا وملذاتنا ..
نسيناكم ..
نسيناكم ونحن نشيد ناطحات السحاب ، ونسمع الأغاني العذاب ، ونقدم كرامتنا قرابين على كل الأبواب ..
همومنا تغيرت بعد دخولكم الأسر .. أصبحنا نبحث كل سنة عن أفضل مصيف وأفضل فندق وأفضل متجر وأفضل فلم واجمل وجه ووو.. أستغفر الله .. اللهم إني صائم ..
نسيناكم بعد أن قدمتم زهرة شبابكم وثمرة حياتكم وضحيتم بمستقبلكم وأحلامكم دفاعا عن ديننا واوطاننا ومقدساتنا وتاريخنا ..
نسيناكم وانتم شرف الأمة ورجالها والذائدين عن كرامتها والمطالبين بحقوقها ..
الساده الزملاء ..
تجدون أدناه رسالة وصلتني عن أسير فلسطسيني أمضى ثلاثون سنة في سجون الاحتلال .. أقدمها لكم بعد عودة الحياة إلى شرايين الامة العربية والإسلاميه من خلال أمة مصر العظيمة ..
عبدالله محمد الناصري
***
الأسير حسن سلمة يدخل عامه الـ 30 في سجون الإحتلال
*بقلم / عبد الناصر عوني فروانة
6-8-2011
" حسن سلمة " اسير فلسطيني بدأت حكايته مع الأسر في الثامن من آب / اغسطس عام 1982 ، أي ما قبل 29 عاماً ، ليدخل يوم غد عامه الثلاثين في سجون الإحتلال بشكل متواصل .. وحكايته مع الأسر مستمرة .. لم تنتهِ بعد ! .
حكاية .. كثيرة بفصولها ، مريرة بمسيرتها ومحطاتها المتعددة ، متناقضة بصورها المختلفة ، فهي تكشف بشاعة الإحتلال وجرائم ادارة سجونه ومعتقلاته وقسوة سجانيه ومعاملتهم اللا إنسانية ، وعلى النقيض فهي تكشف صمود اسطوري وشموخ وثبات رغم القيد ومعاناة الأسر بكل ما يعنيه ذلك من معاني .
حكاية من مئات الحكايات لأسرى يقبعون في سجون الإحتلال منذ سنوات طويلة والتي تحتاج لأمهر الكتاب والشعراء لتدوينها وتوثيقها ، وبتقديري فيما لو سطرت ستملأ عشرات المجلات .
وهي واحدة من الحكايات المريرة المؤلمة لأحد " جنرالات الصبر " وهو مصطلح نطلقه على من مضى على اعتقالهم ربع قرن وما يزيد بشكل متواصل في سجون الاحتلال والذين هم جزء من قائمة طويلة نطلق عليهم " الأسرى القدامى " وهم المعتقلين منذ ما قبل اتفاقية أوسلو وقيام السلطة الوطنية الفلسطينية في الرابع من مايو / آيار 1994 .
و(لا ) أبالغ الوصف ان قلت بأن معاناة " القدامى " وحدهم ومعاناة ذويهم ، تفوق معاناة شعب بكامله في مكان آخر من هذا الكون ، وبتقديري لم أخطئ الوصف كذلك حينما أصف سجون الإحتلال بغرفها الجماعية وزنازينها الإنفرادية بمقابر الأحياء أو ببدائل أعواد المشانق .
وحينما نمنح الأسرى القدامى مزيدا من الأهمية ، فهذا لا يعني بالمطلق تقليلنا من شأن الآخرين ، وبتقديري فاننا لسنا على خطأ حينما نعتبر أن هدف الإحتلال من استمرار احتجازهم لعشرات السنين هو الإنتقام منهم ومن شعبهم وقيادتهم ومن المقاومة المشروعة التي كفلتها كافة المواثيق والأعراف الدولية والتي يمثلونها وكان لهم شرف تجسيدها .
لهذا قلنا ونكرر قولنا بأن لا معنى لمفاوضات ناجحة يمكن أن تبقيهم في السجون ، ولا قيمة لمقاومة مثمرة عاجزة عن تحريرهم .
وبتقديري لو نجحنا في توثيق حكاياتهم و تدوينها ، نشرها وعرضها بشكل جيد وأشكال جديدة ومؤثرة ، سننجح بتحريك مشاعر وضمائر وسواعد أكثر من مليار مسلم ومعهم كل الأحرار في العالم ، وسنجعل من قضيتهم .. قضية رأي عام دولي متفهم لمعاناتهم ومدافع عن حقهم بالحرية ، ويمكن حينها الضغط على حكومة الاحتلال لإجبارها على إطلاق سراحهم كمقدمة أساسية لأية مفاوضات قادمة أو القبول بادراج اسمائهم ضمن صفقة التبادل التي يدور الحديث حولها دون تحفظ .
( 29 ) عاماً في سجنون الإحتلال ..
ويُعتبر الأسير حسن علي نمر سلمه (أبو علي) أحد" جنرالات الصبر" وسادس أقدم أسير على الإطلاق ، بعد نائل وفخري البرغوثي ، وأكرم منصور و وفؤاد الرازم وابراهيم جابر ، ويدخل يوم غد عامه الـ 30 في الأسر بشكل متواصل .
( 29 عاماً ) ، قضاها الأسير " حسن سلمة " في سجون الإحتلال الإسرائيلي متعددة الأسماء ، تارة في غرفها المعتمة ، وتارة أخرى في مقابر العزل الإنفرادي وفي ظروف لا توصف ، وفي كل الأحوال حياة دون مقومات الحياة الآدمية ، وحرمان من العلاج والدواء ورؤية الأهل والأحبة ، وطعام سيئ كماً ونوعاً ، واجرءات قمعية ومعاملة قاسية على مدار الساعة ..الخ .
وكما قلنا أعلاه فان للأسير حسن " أبو علي " حكايات طويلة مع الأسر ، حكايات تعكس بشاعة الإحتلال ، وصمود وثبات هذا الرجل القوي ومعاناته ومعاناة أسرته .
الولادة والنشأة والاعتقال ..
ولد الأسير المناضل حسن علي نمر سلمة بتاريخ 8-2-1958 في قرية يالو احدى قرى اللطرون التي دمرت عام 1967 ، ومن ثم هاجرت أسرته وانتقلت للعيش والإقامة في بلدة بيتونيا برام الله ، فكبر وترعرع في هذه البلدة وتعلم في مدارسها وأنهى الثانوية العامة ، ليلتحق بعدها بجامعة بيرزيت كلية الفيزياء وكان متفوقاً مميزاً وحينما أعتقل بتاريخ 8-8-1982 ، لم يكن متبقي له سوى فصل واحد ، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة مقاومة الاحتلال والانتماء لـ (حركة فتح) وكان حينها يبلغ من العمر ( 24 عاماً ) ، واليوم قد بلغ من العمل ( 53 عاما ) ، وهو يكون بذلك قد أمضى في الأسر ما يفوق ما أمضاه قبل الأسر في رحاب الحرية بسنوات طويلة .
وخلال سنوات الأسر الطويلة تنقل بين العديد من السجون وتعرض لصنوف مختلفة من التعذيب الجسدي والنفسي والإهمال الطبي ، كما تعرض مراراً للعزل الإنفرادي والجماعي ، وشارك اخوانه الأسرى في الخطوات النضالية المختلفة وفي الإضرابات عن الطعام ، وهو موجود الآن في سجن ريمون الصحراوي القريب من سجن نفحة ويعاني من أمراض مختلفة .
حكايات مريرة ..
ومن الحكايات الخاصة بالأسير البطل حسن سلمة ، أنه تزوج قبل اعتقاله بفترة وجيزة ، وربنا رزقه بتاريخ 19-7-1982 بتوأم ( ولد وبنت ) ( علي وسناء ) ، ولم ينعم كثيراً باحتضانهما سوى لفترة تسعة عشر يوماً فقط ، حيث اعتقل بتاريخ 8-8-1982 ، ليحرم من رعايتهما المباشرة و رؤيتهما بلا قضبان وتقبيلهما بلا شبك أو ألواح زجاجية .
ولكن كبر الأطفال وتفوقا في الدراسة وعملا بوصية الوالد ، وبرعاية الأم الصابرة الصامدة المثالية والتي تخلت عن متاع الدنيا واغراءاتها من أجل تربية طفليها وصون علاقتها بزوجها الأسير التي تفخر به وتعتز بارتباطها به .
معاناة الأبناء ..
فمسيرة " علي " تكللت بالنجاح وتخرج من جامعة القدس المفتوحة ليعمل في السلطة الوطنية الفلسطينية ، فيما سناء لا زالت تدرس في الجامعة وتسير بنجاح وتعمل في الوقت ذاته موظفة في وزارة الأسرى والمحررين برام الله ، وكانت قد زُفت الى بيت زوجها قبل أربعة أعوام دون حضور والدها الذي اكتفى بارسال رسالة لها وصلتها بعد سنوات تحمل بعض الكلمات والتهاني .
" سناء " تعجز عن وصف المعاناة .. ونحن كذلك
ولقد تحدثت أكثر من مرة مع كريمته " سناء " 29 عاماً عبر الهاتف ، وفي كل مرة أشعر بأن لديها الكثير الكثير مما تريد قوله ، ومما ترغب في وصفه من معاناة وحرمان ، وربما عجزها عن وصف معاناتها ومعاناة أسرتها ووالدها هو ما يدفعها للإختصار بالحديث ، ونحن كذلك لم ولن ننجح يوماً بوصف معاناتهم ، وكتاباتنا المتواضعة ما هي إلا محاولات لتسليط الضوء ، وحث من يمتلكون الإمكانيات لعمل المزيد .
فالقصة طويلة والمعاناة فظيعة والحكاية بدأت فصولها قبل تسعة وعشرين عاماً ، ولم تنتهِ بعد .!
ومع ذلك وبكثير من التنهدات وتكرار التوقفات قالت لي : اعتقل والدي وأنا رضيعة وكبرت في حضن والدتي وحرمت من حنانه ، فتعرفت عليه من خلال شبك الزيارة ، ونسجت معه علاقات متينة وقوية ، فهو مفخرة لي واشمخ به أينما ذهبت ، بنضالاته وصموده وثباته، بما يمتلكه من معنويات عالية وتفاؤل كبير ، وأسعى أنا وشقيقي لأن نتحدى الإحتلال ونتجاوز الصعاب ، ونعمل بوصيته ووفقاً لتوجيهاته وكأنه يحيا بيننا ولربما أكثر من ذلك ، وصورته ماثلة أمامنا أينما توجهنا ، عالقة في أذهاننا ، حاضرة في سلوكنا ، ونسعى لأن نكون كما يطمح أن نكون ناجحين ومتفوقين .
وتضيف " سناء " مسيرة حياتنا حافلة بالمعاناة كباقي ذوي الأسرى ، ولكن لطول السنين فقد تكون معاناتنا أضعاف غيرنا ، وزياراتنا لوالدنا غير منتظمة تحت ما يسمى " أسباب امنية " ، والزيارة لمن يُسمح له بالزيارة أحيانا تكون محفوفة بالمخاطر وممزوجة بالمعاناة ، فهي – أي الزيارات - رحلة عذاب ومشقة .. هكذا توصفها كريمته سناء وهكذا يصفها باقي أهالي الأسرى .
الأبناء يكبرون ويرزقون بالأطفال فيما لا يزال الأجداد في السجون !
الأسير " أبا علي " أعتقل دون أن ينعم باحتضان طفليه سوى لتسعة عشر يوماً فقط .. فكبرا وترعرعا بعيداً عنه .. وتمضي الأيام والشهور والسنين ، بل تمضي عشرات السنين ، فيكبر نجله " علي " وتكبر كريمته " سناء " ويرزق " حسن " بالأحفاد ...
والسؤال يلد مليون سؤال .. الى متى سيظل الأبناء ينجبون الأحفاد ، فيما لا يزال الأجداد في غياهب السجون ..؟
أدعو الله عز وجل في هذا الشهر الفضيل أن ينعم عليه وعلى الأسرى جميعاً بالحرية وأن يمنحه حق العودة لأسرته قريباً ، ليقضي ما تبقى من العمر معهم وبينهم ، ولينعموا قليلاً بدفء حنانه ، وليشاركهم أفراحهم وأن يتمكن من احتضانهم بلا قضبان أو ألواح زجاجية ..
آمين .. آمين .. آمين يارب العالمين .
أسير سابق ، وباحث مختص في شؤون الأسرى
مدير دائرة الإحصاء بوزارة الأسرى والمحررين في السلطة الوطنية الفلسطينية
الموقع الشخصي / فلسطين خلف القضبان