لم تكتف الشريعة الإسلامية بتقرير حقوق الإنسان فقط بل جاءت بوسائل لحماية هذه الحقوق وضمان استمتاع الأفراد بها حيث حددت الشريعة ثلاث جهات لتتولى القيام بهذا الدور وهي : الأفراد والجماعات والدولة . أما من جهة الفرد فإن مجرد قيام الفرد بواجباته التعبدية يعد ضمانة من ضمانات حقوق الإنسان في الإسلام . فالمسلم ينهاه الدين عن قتل النفس والاعتداء على أموال الناس وأعراضهم و التجسس وتتبع عورات الناس . كما يأمره بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ورغم أن هذا الأخير فرض كفاية إلا أنه في حالة التقصير يصبح واجباً على كل فرد . كما أن هنالك الكثير من القواعد الفقهية التي تشكل في حد ذاتها ضمانات قويـة لحقـوق الإنسان كقاعدة : ( لا ضرر ولا ضرار ). وقاعـدة : ( الاضطرار لا يبطل حق الغير ) . إذ أن هاتين القاعدتين على سبيل المثال لا الحصر تقرران منع الفرد من الاعتداء على حقوق الغير وحرياتهم ، وإن الضرورة التي تبيح المحظور لا تبطل حق المضرور في التعويض . وعليه فإن قيام المسلم بأدائه لأمور دينه فيه تكريس وضمان وحماية لحقوق الإنسان وحرياته الأساسية لأن هذه الحقوق جزء من العقيدة وليست مجرد أفكار جميلة يشجع الناس على القيام بها .
أما دور الجماعة في حماية حقوق الإنسان فيتمثل في واجبها في القيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر يقول تعالى : ﴿وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾ . وهو ما يسمى بالرقابة الشعبية .
أما دور الدولة الإسلامية في حماية حقوق الإنسان فيكمن في تميز الإسلام بوجود ثلاثة أنظمة قضائية متوازية تحمي الحقـوق والحريات العامة للإنسان وتتمثل هذه الأنظمة في :
1 – القضاء العادي : ويتميز القضاء في الإسلام بالعدالة المطلقة يقول تعالى : ﴿ يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ ﴾ . والعدل في الإسلام فريضة واجبة فالشريعة الإسلامية كفلت للإنسان حقوقه عن طريق ضمانها لوحدة القانون المطبق على الجميع دون أي نوع من التفرقة أو التمايز بين الناس . فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث التي روته السيدة عائشة رضي الله عنها : ( وإني والذي نفسي بيده لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها ) .
2 – ولاية المظالم : والمظالم يقصد بها عند فقهاء المسلمين ظلم أصحاب النفوذ في الدولة لأفراد المجتمع أو هو ظلم الولاة والجباة والحكام للرعية. وقضاء المظالم يختص بتلقي الشكاوى من أفراد الرعية الذين انتهكت حقوقهم وحرياتهم في مواجهة ظالميهم من أصحاب النفوذ . يقول ابن خلدون في مقدمته : ( إن التظلم في المظالم وظيفة ممتزجة بين سطوة السلطة ونصف القضاء ).
3 – نظام الحسبة : والحسبة ولاية دينية أساسها الأمر بالمعروف إذا ظهر تركه والنهي عن المنكر إذا ظهر فعله . ويعد نظام الحسبة من القضاء المتخصص لأنه يجمع في آن واحد بين أنظمة القضاء والمظالم والشرطة إذ يختص المحتسب بالفصل في المنازعات الظاهرة التي لا تحتاج إلى أية أدلة لإثباتها كما يملك سلطة تأديب من يجاهر علناً بارتكاب المعاصي .
الأستاذ عصمت عبد الرحمن النور
المحامي
السودان - مدينة النهود