في مقال سابق تعرضت للأجهزة الدولية لحماية حقوق الإنسان وفي هذا المقال سأتناول الوسائل التي تستخدمها تلك الأجهزة لحماية هذه الحقوق . وكما صنفت آليات الحماية إلى آليات رسمية و آليات غير رسمية فإن الوسائل بالاستناد على ذلك تنقسم بدورها إلى وسائل رسمية ووسائل غير رسمية أتناولها على النحو التالي :
أ – الوسائل الرسمية : وهي الوسائل التي تتخذها أجهزة الحماية والرقابة الرسمية حتى تتمكن من حماية ومراقبة الدول في مجال احترم حقوق الإنسان والتطبيق الكامل له . وأهم هذه الوسائل تتلخص في :
1 – التقارير : وهنالك نوعان من التقارير : تقارير تقدم من قبل الدول الأعضاء إذ أن كثير من الاتفاقيات الخاصة بحقوق الإنسان تطالب الدول الأعضاء بتقديم تقارير دورية تتعلق بشأن تنفيذها لحقوق الإنسان ، ورغم أن الدول لا تعترف بمدى انتهاكها لحقوق الإنسان عبر تقاريرها إلا أن هذه الوسيلة تعتبر خطوة جزئية نحو تحسين موقف حقوق الإنسان بالإضافة إلى كونها مصدر من مصادر المعلومات. أما النوع الثاني من التقارير فهو التقارير المقدمة من اللجان التابعة للمنظمات الدولية كلجنة حقوق الإنسان التي تقوم بتقديم تقاريرها إلى الأمين العام للأمم المتحدة ، والذي يقوم بإحالتها بدوره إلى اللجان المعنية بغرض فحصها ، وتظهر وسيلة الرقابة هنا من خلال مناقشة التقارير مع مندوبي الدول . كما تقوم لجنة حقوق الإنسان بنشر تقاريرها على مستوى العالم لتظهر الممارسات التي تقوم بها بعض الدول ، والتي تمثل إهداراً لحقوق مواطنيها . ولا شك أن نشر مثل هذه التقارير يؤثر على مركز تلك الدول الأدبي والسياسي الأمر الذي يشجعها ويشجع غيرها من الدول على احترام حقوق وحريات رعاياها .
2 – التوصيات : بعد أن ترفع الدول الأعضاء تقاريرها للمنظمة الدولية تقوم المنظمة بمناقشتها وإبداء الملاحظات عليها ، وبالتالي إصدار توصياتها على ضوء تلك المناقشة . وقد أصبحت هذه التوصيات الآن جزء من السياسة الدولية وليس تدخلاً في الشؤون الداخلية للأعضاء ، وخير دليل على ذلك استجابة كثير من الدول المستهدفة للعمل بموجب هذه التوصيات .
3 – إصدار الإعلانات والتصريحات : لا تختلف الإعلانات والتصريحات في قوتها الملزمة عن التوصيات بشكل عام ، وإن تميزت عليها بأنها عادة ما تقرر أو تؤكد مبادئ قانونية قائمة تلفت النظر إلى أهميتها ، وقد استخدمت الجمعية العامة والمجلس الاقتصادي هذا الأسلوب كثيراً تجاه حماية حقوق الإنسان وحرياته .
4 – التصالح : نسبة لأن التوصيات الرسمية والعامة لا تنجح في كل الموافق ، فقد بذلت جهود كبيرة لتنفيذ حقوق الإنسان بواسطة التصالح وذلك بأن يقوم عاملون من غير الدول كالأمين العام للأمم المتحدة ببذل جهود توفيقية بهدف الحصول على انصياع الدول التي تنتهك حقوق الإنسان بواسطة الاقتناع الهادئ بدلاً عن استخدام القوة بواسطة مجلس الأمن الدولي ، وقد أظهر التصالح فاعلية كبرى في كثير من حالات الانتهاك .
5 – الشكاوى والعرائض الفردية : وتعني لجوء الأفراد بموجب اتفاقيات حقوق الإنسان إلى المنظمات الدولية مباشرة بغرض استرداد حقوقهم بعد أن استنفذوا كل المعالجات الداخلية . ويتم ذلك من خلال عدة آليات منها على سبيل المثال لا الحصر : القرار رقم 1235 ، والقرار رقم 1503 حيث يسمح الأول لكل من لجنة حقوق الإنسان واللجنة الفرعية لمنع التمييز وحماية الأقليات بالنظر في المعلومات الخاصة بالانتهاكات الصارخة لحقوق الإنسان وحرياته ، ويسمح الثاني بالنظر في الشكاوى التي تصل للأمين العام للأمم المتحدة والخاصة بانتهاكات جسيمة ومستمرة وبنمط ثابت لحقوق الإنسان وحرياته. وذات الأمر ينطبق على لجنة القضاء على التمييز العنصري واللجنة المعنية بحقوق الإنسان واللجنة الأفريقية لحقوق الإنسان التي منحت سلطة استلام الرسائل المقدمة من الأفراد الذين يدعون أنهم ضحايا انتهاك من جانب دولهم . ورغم عدم كفاية هذه الوسيلة إلا أن الدول بسماحها لرعاياها باللجوء للمنظمات الدولية يدل على مدى اهتمامها بحقوق الإنسان وخوفها من الوقوع في موقف محرج أمام المجتمع الدولي .
6 – الإجراءات الملزمة : وهي الإجراءات التي تتخذها المنظمة الدولية بغرض إيقاف انتهاكات حقوق الإنسان . وبالتالي فإن الدول المستهدفة لا بد أن تنفذ تلك الإجراءات وإلا أصبحت في مواجهة عقوبات اقتصادية أو عسكرية من قبل المجتمع الدولي عن طريق مجلس الأمن الدولى الذي يملك حق استخدام القوة طبقاً للآلية المنصوص عليها في الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة متى ما توصل إلى أنها الآلية المناسبة والمتصورة في مثل هذه المواقف ، ويؤكد الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة الدكتور بطرس غالي على ضرورة استخدام الجزاءات الدولية كوسيلة لحماية وضمان احترام حقوق الإنسان وحرياته العامة من جانب المنظمة الدولية وإلا فقدت المنظمة مصداقيتها بقوله : إننا نرى كل يوم إلى أي مدى يمكن أن تفقد الأمم المتحدة مصداقيتها إذا ظلت التصريحات والعهود والاتفاقيات التي تضعها لحماية هذه الحقوق على المستوى النظري ، أو كانت هدفاً لانتهاكات دائمة إذا لم تخضع لآليات وإجراءات فعالة لضمانها وحمايتها وإقرارها .
ب – الوسائل غير الرسمية : وتستخدمها الهيئات الدولية غير التابعة للأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية كمنظمة مراقبة حقوق الإنسـان الأمريكية ، ومنظمة العفو الدولية وغيرها بغرض التطبيق الأمثل لمبادئ حقوق الإنسان على الصعيد الوطني و أهم هذه وسائل :
1 – البحوث : وتقوم الهيئات والمنظمات غير الرسمية عن طريق البحوث بجمع المعلومات الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان في الدول وعرضها على المجتمع الدولي بغرض تأليبه عليها.
2 – المواقع والمنتديات الالكترونية : وهذه الوسيلة ظهرت بعد انفجار ثورة الاتصالات التي شهدها العالم الآن ، ويتم ذلك بإنشاء المواقع والمنتديات المتخصصة في هذا الجانب والتي من شأنها نشر ثقافة حقوق الإنسان وتهيئة الشعوب للنضال من أجل حماية حقوقها المسلوبة وخير مثال لذلك الدور الذي يقوم به موقع الفيس بوك على سبيل المثال في التواصل بين الشعوب في سبيل تحرير إرادتها المسلوبة . كما لا يمكن تخطي الدور الكبير الذي تقوم به بعض المنتديات العربية في هذا المجال كالمنتدى العام للمحامين العرب ومنتدى محكمة مصر وغيرها وما التغيير في تونس ومصر وما تشهده اليوم الكثير من البلدان العربية إلا نتاج لهذه الوسيلة باعتبارها نأت بالمتهمين بحقوق الإنسان عن وسائل قمع الحكومات المستبدة تجاههم .
4 – ضغط القاعدة الشعبية : وقد ارتبطت هذه الوسيلة من وسائل حماية حقوق الإنسان بمنظمة العفو الدولية ، إذ أنها تقوم بنشر البحوث الخاصة بانتهاكات حقوق الإنسان وعرضها على الرأي العام وتأليبه ليقوم بدوره بالضغط على الحكومات بغرض الضغط على الحكومة المنتهكة لحقوق الإنسان لإيقافه .
4 – مراقبة المحاكمات : يقوم عدد كبير من المنظمات بمراقبة المحاكمات وخاصة المحاكمات السياسية بغرض توفير محاكمة عادلة للمتهمين .
5 – زيارة السجون : وقد اهتمت كل من منظمة العفو الدولية واللجنة الدولية للصليب الأحمر بصفة خاصة بزيارة السجون والوقوف على أحوال وأوضاع المساجين . إذ يسمح للجنة الصليب الأحمر بمقتضى المادة 143 من اتفاقية جنيف الرابعة بالذهاب إلى جميع الأماكن التي يوجد فيها أشخاص محميون وعلى الأخص أماكن الاعتقال والحجز ، وهذا الدور مهم بوجه خاص عندما يختص بلاجئين محتجزين سواء في سجون أو معسكرات.