بقلم الدكتور حاكم المطيري
إلى شهداء تونس وعلى رأسهم البوعزيزي، وشهداء مصر وعلى رأسهم خالد سعيد، وإلى الثوار الأحرار من الشباب في ميدان التحرير بمصر، وإلى نوارة نجم (صارخة النصر)، أهدي هذه القصيدة فرحا بالثورة التي فرح لها كل عربي حر، وكل مؤمن بر، وتخليدا لذكرى أبطالها الشباب، الذين بيضوا وجوه أمتهم بعد طول سواد، وأحيوها بعد طول رقاد، وحرروها من الأغلال والأصفاد، وأثبتت ثورتهم للعالم كله أن العرب من الخليج إلى المحيط أمة واحدة، فأفراحهم واحدة، وأحزانهم واحدة، ومشاعرهم الفطرية واحدة، مهما حاول القطريون والشعوبيون فصم عرى وحدتهم!
وأثبتت ثورتهم أنهم أقدر الأمم على انتزاع حريتهم وكرامتهم، وأنهم أحلم الأمم حين يصبرون، وأرحمهم حين يثورون!
وأثبتت الثورة أن النساء شقائق الرجال، وأنهن يصنعن النصر، كما يصنعه الرجال!
كما أثبت العرب بهذه الثورات المجيدة أنهم أرقى الأمم في ثورتهم على الظلم، وأنهم هم ورثة الحسين وآل بيته الأبرار، وليس أولئك الحشاشون الباطنيون الشعوبيون الذين خانوا أمتهم ووطنهم، وجاءوا مع جيوش الاحتلال لغزو العراق تحت ذريعة تحريره من الظلم والاستبداد! ليقتلوا الملايين من أبناء العراق، وليهجروا الملايين، وليضعوا الأكاليل على قبر الجندي الأمريكي، وما زالوا يمارسون أبشع الجرائم الإنسانية، بدعوى إقامة الديمقراطية!
لقد نجح الشعب التونسي والشعب المصري في تغيير أشد الأنظمة استبدادا وبطشا في أقل من شهر، وببضع عشرات من الشهداء الأحرار، والشباب الأبرار، دون خيانة لأمتهم، ودون وقوف مع احتلال أجنبي، ودون رفع رايات طائفية، ولا أكاذيب وشعارات دينية، باسم الحسين وآل البيت الأطهار، الذين هم براء من رجس من ينتحلونهم، وخيانة من يدعونهم، ممن لم تجر فيهم دماء عربية، ولا حمية وطنية أو دينية!
لقد أرادت أمريكا من النموذج العراقي أن تقول للعرب وللعالم أجمع، بأن العرب لن يتحرروا من الدكتاتوريات إلا بخيانة أوطانهم، والوقوف مع المحتل الأجنبي، وأنهم حين يتركون وحدهم يتقاتلون وتدب فيهم الفوضى، كما أرادوا من نموذج التغيير في العراق الذي كان أسوء نموذج عرفه التاريخ بدمويته وخيانته وفوضويته!
فجاء النموذج التونسي والمصري وهما تجربتان عربيتان خالصتان لتقولا للعالم أجمع شيئا آخر تماما، ولتضربا أروع المثل في طهوريتهما ونزاهتهما وتنظيمهما وسلميتهما!
لقد كانت كلتا الثورتين تعبر أصدق تعبير عن سيكولوجية الإنسان العربي، وعن شخصيته المعنوية الجمعية، من حيث اعتداد العربي بنفسه، وشعور كل عربي بأنه رأس لا يحتاج إلى من يقوده، وأنه لا يحتاج إلى الزعيم المخلص، ولا إلى قيادة تتمتع بالكاريزما، ولا إلى مرجعية دينية أو سياسية، يسلمها عقله، كما هو شأن أكثر الثورات في العالم، كما جرى في ثورة الشعب الإيراني بقيادة الخميني، وشعب جنوب أفريقيا بقيادة مانديلا، والشعب الهندي بقيادة غاندي!
لقد خرج الشباب في تونس ومصر وخرج معهم الشعب التونسي والمصري بعفوية وبإرادة حرة، وبلا قيادة موحدة، فكانت ثورة جماهيرية عربية مليونية لم يشهد لها العالم مثيلا، وإن كانت لا تخلو من قيادات جماعية كالنقابات العمالية في تونس، والتنظيمات والحركات الشبابية في مصر، والأحزاب التقليدية، إلا أن السمة البارزة فيها غياب الزعيم القائد، والمرجع الواحد!
كما كانت الثورتان التونسية والمصرية سلميتين بامتياز، لم ترق فيهما دماء من جهة الثورة وشبابها، وانتصرتا فانتصر معهما العفو والصفح، وهي أخص خصائص الإنسان العربي، بل إنه قد يتعاطف ويعفو عن المهزوم، ويتسامى عن الأحقاد والضغائن بعد النصر، مروءة وشهامة، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم حين قال للمشركين بعد الفتح (اذهبوا فأنتم الطلقاء)، وكما قال شاعرهم :
ملكنا فكان الصفح منا سجية
فلما ملكتم سال بالدم أبطحُ
فحسبكم هذا التفاوت بيننا
فكل إناء بالذي فيه ينضحُ
لقد أثبتت الثورتان العربيتان الحديثتان بأن ما جرى من أنهار الدماء في العراق بعد الاحتلال على يد العصابات الطائفية الإجرامية، لا يمت للشخصية العربية السنية والشيعية بصلة، ولا يعبر عن قيمها وثقافتها، بل هي ممارسات فئة ممسوخة الهوية، تعبر عن حالة تشوه ثقافي وقيمي، تجعل من خيانة الوطن مع المحتل ثورة وتحررا! ومن الغدر والقتل غيلة قصاصا وعدلا!
لقد أفرزت العقائد الباطنية - التي تقوم على موروث من الحقد والضغينة للعرب وتاريخهم، والتي تعبئ به الشخصية الطائفية منذ نعومة أظفارها - شيئا مخيفا فكان العراق مشهدا مأساويا للتعبير عن تلك العقائد الشعوبية الحاقدة على أمتها وبني جلدتها ووطنها، حيث ظهرت بعد الاحتلال الأمريكي شخصية عراقية طارئة دخيلة لا يمكن أن تكون عربية الهوية والدم، ولا إسلامية العقيدة والدين، ولا إنسانية الضمير والقيم! وهو ما حصل تماما بعد سقوط بغداد على يد التتار سنة 656هـ حيث عدها الحشاشون الطائفيون نصرا لهم وخلاصا من الظلم العباسي والخلافة العباسية، الذين كانوا هم وزراء الدولة فيها!
إن الثورات الشعبية عادة ما تكونوا دموية، كما في الثورة الفرنسية والروسية، وكما جرى بعد الثورة في إيران من تصفية جسدية للآلاف من رجال النظام السابق، وما جرى من محاكم وإعدامات في الشوارع، وقد تم استنساخ تلك التجربة في العراق بعد سقوطه تحت الاحتلال الأمريكي، على يد الأحزاب الطائفية، فجاءت بأحقادها وأضغانها، وممارساتها الوحشية، لتمارس تصفياتها الدموية ضد خصومها، بل ضد آلاف الأبرياء من ضباط الجيش العراقي، والعلماء العراقيين، ولتسيل طرقات بغداد أنهارا من الدماء، وهو ما يتنافى مع قيم العرب وأخلاقهم، حتى ترحم العرب على دكتاتورييهم مقارنة مع جرائم هؤلاء الحشاشين والقرامطة الجدد، وديمقراطيتهم المزعومة!
لقد ولد العرب من جديد بالثورتين التونسية والمصرية، واستعادوا ثقتهم بأنفسهم، بعد عقود من التضليل الإعلامي، وتخويفهم من أنفسهم، وأنهم لا يستطيعون أن يغيروا أوضاعهم السياسية، وأنهم لا مرجعية دينية لهم تستطيع أن تحرك الشارع وتضبط حركته - وتتفاهم مع الاحتلال من وراء الكواليس لتبيع الأمة والوطن من أجل دم الحسين - حتى حاولت أمريكا أن توحد الفتوى في العالم العربي من خلال مؤسسات حكومية ليتسنى لها التفاهم معها، كما تفاهمت مع المراجع الطائفية في العراق، لتوجيه الرأي العام وضبط حركته بما يخدم مصالح العدو المحتل!
لقد استغلت الأنظمة الدكتاتورية في العالم العربي وجوقتها الثقافية والإعلامية والدينية ما جرى في العراق ليقولوا للعرب هذا هو البديل عنا، وهذا هو ثمن التغيير المزعوم، إنه ملايين من المهجرين، وملايين من القتلى، وعشرات القواعد العسكرية الأجنبية، وآلاف من ميليشيات الموت الإجرامية، وملايين من المهووسين دينيا ينوحون ويبكون، في حال من الهستيريا، وضرب من الجنون، يسوسهم الدجالون، المعممون بالخبل والجهل، وغيبة الوعي والعقل، ليصبح العراق بسببهم خارج نطاق التغطية، وليخرجوا العراق من العالم المعاصر، إلى عصر ما قبل الحضارة، ثم يقال للعرب هذا هو النموذج للديمقراطية والإصلاح!
فجاءت الثورتان العربيتان الطاهرتان في تونس ومصر لتثبتا بطلان تلك النظريات، وأن التغيير حين يكون بيد الشعوب، وبيد العرب أنفسهم، سيكون شيئا مذهلا، وتغييرا مدهشا، وفوق ما يتصوره الواهمون، أو يتخيله الحالمون!
فهنيئا للعرب من الخليج إلى المحيط، وهنيئا للأمة كلها من المشرق إلى المغرب، ثورة النصر والمجد، وهنيئا هذا النصر العظيم، وهو فاتحة عصر مجيد، وأول خطوة على طريق الحرية، يستعيد الإنسان العربي فيه شهوده الحضاري من جديد، وما ذلك عليهم ببعيد..
(ثورة المجد)
يا ثورة أذهلت من هولها الدولا
وأحيتِ المجدَ والإنسانَ والأملا
وحررت مصرَ من أغلالها فسَمت
وأشرقت شمسُها واستبدلت حُلالا
وماطت الحزنَ عن ثغرِ العروبةِ في
أرضِ الكنانةِ حتى افترَّ مشتعِلا
غنى الحمامُ لها من نشوةٍ طرباً
وأصبح النيلُ مزهواً بها ثمَـلا
يا ثورة وقف التاريخُ يرقبها
وأدهش العالم المذهولَ ما حصلا
وزلزلت عرشَ حسني بعد سطوتهِ
ففر طاغوتُ مصرٍ خائفاً وجِلا
لما مضت تونسُ الخضراءُ ثائرةً
تدك ثورتهُا الطغيانَ والعُمَلا
تُفاخر النجمَ في أبناء ثورتها
كبوالعزيزي خير القوم مرتجلا
غارت لها مصرُ فاهتزت مدائُنها
بثورةِ أصبحت في العالم المثلا
فكان ميدانُ تحريرٍ وملحمةٌ
ووحدةٌ أدهشت أخبارُها العُقلا
والزحف يمضي إلى الميدان مبتهجاً
وموكبُ النصرِ يحدو الثائرَ البطلا
وكلما قُمعوا، (نوارةٌ) صرخت
فجاءها مددُ الأبطالِ ممتثلا
لم يستطع جيش حسني وأد صرختها
ولم يلن عزمها أو يعرف الكلالا
ثار الملايين من أحرارها فغدت
كل المدائن ميدانا ومرتحلا
أبطالُها كلُ حرٍ لم يُطق أبداً
ذلَّ الحياةِ وقهرَ الظلمِ والخللا
(الله أكبر كم في النصر من عجبٍ)
رياحه حين هبت حررت دولا!
يا أيها العربُ الأحرارُ فاغتنموا
هذي الرياح َوهبوا للعُلا حَجَلا
يا خاذل العربِ المخذول ما صنعتْ
لك اليهودُ وقد اخترتهم بَدَلا؟
جعلت من مصرَ طوقا حاميا لهمُ
وخنت شعبكَ والتاريخَ والمِلَلا
فرّطت في المسجد الأقصى وصخرته
وبعت غزة للأعداء محتفلا
وخنت بغدادَ لم تأبه بصرختها
فاغتالها بوش والأوباش واخجلا !
تبكي العروبةُ في بغدادَ نكبتَها
وأنت تضحك مسرورا بها جذلا
جعلت من مصر سجنا أنت حارسه
وضيعةً تبتغي توريثها خَبَلا
حتى أتاك شبابٌ كنت تحقرهم
فقوَّموا منك ما قد مال فاعتدلا
وأصبح العرب الأحرار قاطبة ً
هم مضرب المثل الأعلى بما فعلا
رفضت تحريرهم لما دعوا فأبوا
إلا انتزاعك فاشرب كأسها علالا
لكل طاغيةٍ طفلٌ سيصرعه
قد خبأ الله ذاك الطفلَ والأجلا
وهذه آيـةٌ لله ظاهرة ٌ
يجزي بها كل طاغوت بما عملا
فلتهنئي مصرُ بالأعياد دائمة ً
ما غرد الطير أو ما بارقٌ هطلا
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الدكتور حاكم المطيري – لمن لا يعرفه – هو مؤلف كتاب " الحرية أو الطوفان " وهو أستاذ جامعي كويتي من قبيلة مطير العربية الشهيرة الممتدة ما بين السعودية والكويت ، وهو حاصل على الإجازة الجامعية من كلية الشريعة والدراسات الإسلامية بجامعة الكويت سنة 1989م بتقدير ممتاز مع مرتبة الشرف . وحاصل على درجة الماجستير بتقدير ممتاز من قسم الكتاب والسنة في كلية الشريعة وأصول الدين بجامعة أم القرى بمكة المكرمة سنة 1995م عن أطروحته ( الاختلاف على الراوي وأثره على الروايات والرواة ) .
· حاصل على دكتوراه فلسفة من قسم الدراسات الإسلامية بجامعة برمنغهام بإنجلترا سنة 2000م عن أطروحته ( تحقيق كتاب إحكام الذريعة إلى أحكام الشريعة للسرمري الحنبلي مع دراسة شبهات المستشرقين حول السنة النبوية ومناقشتها ).
· حاصل على الدكتوراه من جامعة القروين بفاس المغرب قسم الفقه تخصص فقه المعاملات
سنة 2006 م عن أطروحته ( تحقيق كتاب مختصر النهاية والتمام لمحمد بن هارون الكناني ) بدرجة مشرف جدا .
· ويعمل الآن أستاذا مساعدا بقسم التفسير والحديث في كلية الشريعة بجامعة الكويت .
· الأمين العام للحركة السلفية 2000 – 2005 م .
· الأمين العام لحزب الأمة 2005 – 2008 م
ــــــــــــــــــــــــــــــ
تحية للدكتور حاكم ، ولكل حر شجاع مثله ..
عبدالله الناصري