غباء!! تسمية الاشياء باسمائها
"غـَباء × يَأس"
قال اليأس للأمل : متى يُقال الوزير في مصــر ؟؟
قال الأمـل : إذا أهمل في واجبه ، وقصر في آداء ما كلف به ؟
قال اليأس : لا
قال الأمـل : إذا خرج عن المألوف وأهان شعبه ومقدساته ؟
قال اليأس : لا
قال الأمـل : إذا أطعمنا السموم والهرمونات وانكشف أمره للجميع ؟
قال اليأس : لا
قال الأمـل : إذا تعامل مع الأعداء ومكنهم من البلاد ؟
قال اليأس : لا
قال الأمـل : إذا سَب الله ورسوله والقرآن والسُنه؟
قال اليأس : لا
قال الأمـل : إذا نشر الفواحش والإعلام الفاسد ؟
قال اليأس : لا
قال الأمـل : إذا كان شاذاً ؟
قال اليأس : لا
قال الأمـل : إذا اختلس أو زَور أو كَذب أو ضلل ؟
قال اليأس : لا
قال الأمـل : إذا فعل كل ذلك مجتمعاً ؟
قال اليأس : لا
إحتار الأمل وقال لليأس في يأس :
ــ حيرتني فما من مصيـبة إلا وذكرتها .. فمتى يُقال الوزير ؟؟
ضحك اليأس وقال للأمل :
ــ يا غبي .. يُقال إن لم يفعل كل ذلك !!!
تبَسم الأمل وقال : سأغفرها لك ـ فليس في الأمل غباء ....
قال اليأس : بل فيه كل الغباء إذا وضع في غير موضعه ..
قال الأمـل : سأغفر لك ذلك ـ شريطة أن تصاحبني لنستمع معاً إلى العراك الدائر الآن ما بين "الكلمات" و"الحكمة".
قال اليأس : أي عراك هذا الذي يحدث ما بين الشئ ونفسه .. إن الكلمات حِكم والحِكم كلمات .
قال الأمـل : لا ، لقد تعبت الكلمات من كثرة التكرار دون فائدة وها هي تتعارك مع الحِكمة قائلة لها :
أريحيني .. لقد تعبت وفقدت قوتي وقدرتي على التأثير والتغيير ..
فقالت لها الحِكمة : اصبري "إن التكرار يُعلم الحمار"!!
ردت الكلمات : التكرار لم يُعلم الحمار .... الضرب هو الذي علمه .
قالت الحكمة للكلمات : لكنك الطريقة المناسبة للتغيير ـ فالحجة تقابلها حجة ، والأفكار تقابلها أفكار .
قالت الكلمات : تلك مقولة حق أريد بها باطل فكل شئ في يد السلطة ، لقد ضعت يوم ضاعت الأمانة ـ ولم تعد لي قيمة أو تأثير بعدما استغلني المنافقون أشنع إستغلال ، لقد حرفوني عن موضعي ولديهم إعلام جبار يغسل العقول ويحير الأفكار ـ فدعكم عني وابحثوا عن غيري ..
قالت الحـكمة : أنتِ طريقنا الوحيد .
قالت الكلمات : عندما يُـقفل طريق يُفتح ألف طريق .
قالت الحـكمة : وما هو أمضى الطرق ؟
قالت الكلمات : الجهــاد .. الجهــاد .. الجهــاد !!
قالت الحـكمة : بالكلمات ؟
قالت الكلمات : باللكمات !!
قالت الحـكمة : لكن ذلك يؤدي إلى الفوضى وضياع الحقوق وسفك الدماء والوصم بالارهاب .
قالت الكلمات : إن أردنا التغيير علينا بأقوى الايمان وليس بأضعفه .
قالت الحـكمة : لكن دفع المصيـبة مقدم على جلب المنفعة !!
قالت الكلمات : قولك يؤيدني ولا يؤيدك ، لقد بدأتي بكلمة "دفع" وفي ذلك عمل .
قالت الحـكمة : وكيف نتركك ... وإذا كان لابد فكيف نجدك ؟؟
قالت الكلمات : ستجدوني عندما تسبق الأفعال الأقوال .
قالت الحـكمة : أمهلينا بعض الوقت .
قالت الكلمات : أمهلتـكم سنين طويلة إلى أن ضاع كـل شئ ـ لـقد وضـعــــتم عـلـى الخيانة شرف ، وعلى الشذوذ حرية ، وعلى الكفر ابداع ، وعلى الربا فائدة ، وعلى التخاذل حِكمة ، وعلى الجبن شجاعة ، وعلى التمرد خُلع ـ حتى الجبن أسميتموه سلام وقلتم سلام الشجعان بدلاً من سلام الجبناء ـ أحد الكُتاب جعل عنوان مقاله : (وبالحق أقول) ـ وهو أبعد الناس عن الحق !!!
قالت الحـكمة : فعل ذلك أولى الأمر ولم نفعل .
قالت الكلمات : أنتم منهم وهم منكم وأينما تكونوا يولى عليكم .
قالت الحـكمة : نحن مستضعفين في الأرض ـ فلِما القسوة ؟
قالت الكلمات : أهملتموني وقد كنت لكم أعذب ما يُنطق وأجمل ما يُكتب .. واستبدلتموني بأحط اللغات .
قالت الحـكمة : ولاة الأمر فعلوا ولم نفعل ولديهم الإعلام والتعليم والصحافة وكل شئ .
قالت الكلمات : يأتي الغريب دياركم ويحدثكم بلغته وتستحوا أن تحدثوه بلغتكم وملأتم شوارعكم بأسماء غريـبة وأكلتم "الهمبورجر" وشربتم "السفن أب" ولبستم "الشورت" و"البوت" وسكنتم "الرف جارد" وتلاقيتم بـ "هــاي" وتوادعتم بـ "باي" ـ فما أحقركم ؟؟
قالت الحـكمة : نحن نعارضهم من أجل ذلك فكيف تتخلين عنا ؟
قالت الكلمات : النار تطهر الأحجار .
قالت الحـكمة : لا نملك إلا القول .
قالت الكلمات : ومن يسمعكم ؟
قالت الحـكمة : أفضل من السكوت أو من أن نمشي معهم .
قالت الكلمات : تبحثون دائماً عن السهل دون تضحيات .
قالت الحـكمة : ستكون فتن وأهوال .
قالت الكلمات : الأهوال للرجال والفتن لفاقدي الايمان ـ لقد هجرتم أفضل ما بي من معاني ووءدتم أعز مفرداتي وكلماتي التي ربما أوجدني الله من أجلها .... ألم تستحوا ؟!
قالت الحـكمة : ماذا تقصدين ؟؟
قالت الكلمات : أين النبل والشهامة والفروسية والايثار .. أين الرجم والقطع والوصل والزجر والهجر والنصر والفخر .. أين الجهاد .. أين كل ذلك في حياتكم ؟؟
قالت الحـكمة : إنها مختارات هلاك تمقتها السلطات وتحاكم من ينطق بها كأنها متفجرات ..
قالت الكلمات : وهذا فراق بيني وبينكم إلى أن تسبقوني بالأفعال .
قالت الحـكمة : لقد أدخلتـنا كلماتك السجون وأدمعت بلاغتك العيون ـ فلمن تتركينا؟
قالت الكلمات : دخلتم السجون بغبائكم ـ فقد ظهرتم قبل أن تفعلوا وتكلمتم قبل أن تعملوا ـ وفي كل حين يلقون إليكم بطعم لتظهروا فيقطفوا خير ما فيكم ـ تارة بالانتخابات وتارة بالنقابات وهكذا فاتركوني وشأني .
قالت الحـكمة : بدونك كيف نؤدي فرض الله ونعبده ؟
قالت الكلمات : الله يريد العمل وليس اللفظ ، يريد الفعل وليس القول ... ألم تقرأوا "وقـل إعملوا" ؟؟
قالت الحـكمة : بدونك نصبح في مهب الريح .. ولا ندري كيف نتصرف ؟
قالت الكلمات : الطريق واضح .. إما الجهاد .. وإما الكتابة .
قالت الحـكمة : فلتكن الكتابة ..
قالت الكلمات : اكتبوا لافتات التأيـيد وباركوا العهد السعيد واكتبوا مثل ما يكتب سعده وسعيد ورجب ورمضان وأنيس ـ ستأكلوا من الخارج وتكبروا في الداخل وستعيشون كالسلاطين وفي الإعلام تظهرون وفي السفريات تـُسحبون .
قالت الحـكمة : الويل لنا مما تصفين !!
قالت الكلمات : والويل لكم إن لم تتحركوا ـ ووداعاً حتى حين ....
تدخل الصبر وقال : أيتها البلاغة .. لماذا كل هذه القسوة مع من رفعوكِ عزة ، وصانوكِ أمانة ، وحفظوكِ عبادة ، وأحبوا فيكِ الشهادة ؟؟ إن العسس يتبعهم كظلهم ويضيق الخناق عليهم وعلى أهلهم ولولاي لماتوا كمداً وهماً .
جففت الكلمات عرقها ، وارتاح نبض عروقها ، واستراحت لقول الصبر وقالت في هدوء وحسرة : إستعملوني كثيراً وغاصوا في حكمتي ونهلوا من كنوزي حتى استوى عودهم وطاب فكرهم وحان وقت فطامهم وعليهم من الآن حسن التفكير وبراعة التدبير وكفاهم ما أخذوا مني ومنك ، واليوم لا محالة من الفراق إما إلى طيب الأفعال وإما إلى عبث الأقوال ، ولنتركهم ينطلقوا ويتحركوا فقد نرى منهم ما يشفي الصدور ، ويريح القلوب .
قال الصبر : أخشى أن يفقدوني ولا يجدوا غير اللعب والخوض فيما لا يفيد .
قالت الكلمات : شباب يتصف بالحكمة ويتحلى بالبلاغة ويستعين بالصبر والصلاة لا تخشى عليه من شئ ـ إنني أقسو عليه لأرشده .
قال الصبر : ولكن لابد أن نكون معهم .
قالت الكلمات وهي تودع الصبر والحكمة : سنكون معهم ولكن بعد الأفعال لا الأقوال .
........ من خلف النافذه ـ تبسم الأمل وقال لليأس : هل سمعت ؟؟ إن كل شئ يحدث بالصبر والحكمة ـ فهز اليأس رأسه ساخراً وقال : وبالكلمات يفرغ كل منا شحنته ونظل في أماكننا لا نغير ولا نتغير .. أيها الأمل إنني مع الكلمات في كل ما قالت ولتذهب أنت والحكمة إلى الجحيم .
بقلم : محمـود شنب
جريدة الشعب
mahmoudshanap@yahoo.com