اسم المستخدم: كلمة المرور: نسيت كلمة المرور



 

     
 
 
أشرف محفوظ
التاريخ
7/17/2010 12:49:09 AM
  مقال مهم للأستاذ رجائي عطية أدعوكم لقراءته لماذا الاحتــرام والضمان للمحـاماة؟       

هذا مقال مهم للاستاذ رجائي عطية منشور بجريدة الأهرام اليوم في 17/7/2010

فعلى الرغم من اختلافي مع سيادته في الانتخابات إلا أن سيادته يطرح فكرا ورأيا أعجبت به جدا وأدعوكم للقراءة وقد نقلته من الأهرام واستأذن سيادته أن يسمح لي بهذا النقل لتعم الفائدة وأعلم أنه لن يمانع ابدا.

تحياتي للأستاذ رجائي عطية وللجميع

أشرف محفوظ  

المقال على الوصلة التالية http://www.ahram.org.eg/230/2010/07/17/10/29750.aspx

لماذا الاحتــرام والضمان للمحـاماة؟
بقلم: رجائى عطية

رجائى عطية

المحامون هم سدنة العدالة‏,‏ وحملة راية الحق‏,‏ والمحامي المرتجف لن يستطيع القيام بواجبه إزاء المجتمع والناس‏,‏ ومن ثم فإن احترام المحامي‏,‏ وتوفير الضمانات اللازمة لحمايته‏,‏ ولحماية حقه في الدفاع عن موكليه‏.
 

هو في حقيقته حماية للعدالة نفسها قبل أن يكون حماية لشخص المحامي‏,‏ وهنا في هذه المقالات الثلاث التي ينشرها الأهرام يؤكد المحامي الأشهر والكاتب المعروف الأستاذ رجائي عطية أن الحصانة للمحامي لازمة لزوما يجاوز في ضرورته الحصانة المسبغة علي القاضي‏,‏ لماذا؟ لأن المحامي يكون دائما‏,‏ في سعيه لكشف الحقيقة‏,‏ أعزل‏,‏ وهو ما يقتضي توفير الحماية له لأداء رسالته وإقامة حواجز صد تقيه من غائلة أي تجاوز أو جموح في ممارسة السلطة‏..‏ وإلي المقال‏:‏
هذه بعض سطور قديمة جدت الحاجة إليها‏,‏ كتبتها سلفا من سنوات لزملائي المحامين‏,‏ ووجهتها إيماء إلي الزملاء رجال القضاء سدنة العدالة‏,‏ وضمنتها كتاب‏:‏ رسالة المحاماة‏,‏ ولأن من يقرأون قلة‏,‏ ومن يمعنون النظر أقل‏,‏ وجدنا من يخلط في مطلبه عما يجب للمحامين بين الحصانة و الضمانات‏,‏ ورأينا من ينكر ـ هازئا ساخرا‏!!‏ ـ علي المحامين الحق في هذا الضمان‏!‏ ثم لم نجد من المطالب لحماية المحاماة والمحامين ردا يرد علي هذه السخرية الهازئة ويبين الأسس والمبادئ التي قامت عليها هذه الضمانات ـ فعلا ـ في جميع دول العالم والمواثيق الدولية وفي مصر المحروسة منذ عشرات السنين‏!‏ فيما عدا رجال الجيوش وقوات الأمن‏,‏ في حالة الاشتباك ـ لا تجد أبناء مهنة يتعرضون لما يتعرض له فرسان المحاماة من محاذير وأخطار تأتيهم في مباشرتهم لرسالتهم من كل جانب‏,‏ ما بين خصم يناوئ وينتظر فلتة لسان‏,‏ ونيابة تنظر بغير عين الرضا وتحشد إمكاناتها لمحاصرة ودرء ما يسعي المحامي إليه‏,‏ وما بين موازين عديدة يعملها القاضي يغدو إزاءها المحامي كالقافز فوق الأشواك أو الباحث عن موطئ أمان لقومه في حقل ألغام‏!!..‏ ويجري المحامي حسابات هذا كله علي عجل في صفحة وجدانه‏,‏ محتملا فيه مخاطر وضغوط وفلتات الارتجال ـ وهو قوام المرافعات الشفوية التي يحشد فيها حصاد فكره ودراسته للقضية ومداخل وطرق الاقتراب منها والإقناع بها‏,‏ مراقبا في الجلسة من محيط موزع المشارب تحتشد بهم ساحات الجلسات ما بين راض وكاره وضائق ورافض ومتربص‏,‏ مطالبا وسـط هـذه الأعاصير بأن يحسـن تقديـم مسرحيته الإقناعية ـ إن جاز التعبير‏,‏ والتي ينهض وحده بأدوارها الثلاثة‏:‏ فهو مؤلف النص والمخرج‏,‏ والمؤدي أيضا‏..‏ وكثيرا ما ينزل أداؤه علي آخرين منازل الصاعقة محدثا الرفض وربما الكره والعداوة‏,‏ بل كثيرا ما يدفع المحامي ثمن مناضلته لأداء رسالته من مصالحه وحريته وأحيانا حياته نفسها‏!‏
مهما كانت المخاطر‏!‏
في عام‏1793/92‏ ـ ومقصلة الثورة الفرنسية تحصد الرقاب والأرواح‏,‏ لا تفرق أو لا تفرق كثيرا بين مذنب وبريء‏,‏ وتتلوث بالدماء صفحتها مع الحرية التي انفجرت من أجلها‏,‏ لا تتهيب المحاماة من أن تقف مؤدية رسالتها في الدفاع حتي عن الملك لويس السادس عشر الذي أجمعت الثورة علي استئصاله في محاكمة أرادت أن تكون شكلية وتمسك فرسان المحاماة بأداء واجبهم العظيم فيها أيا كانت المخاطر‏!‏
وقف برييه الكبير يصرخ في وجه محكمة الثورة الفرنسية‏,‏ والمقصلة في عنفوان عملها تحصد عشرات الرءوس كل يوم ليقول للمحكمة عبارته الشهيرة‏:‏ إنني أتقدم إليكم بالحقيقة‏,‏ وبرأسي أيضا‏..‏ فتصرفوا في إحداهما بعد أن تستمعوا للأخري‏!!..‏ بينما ماليزيرب العظيم وقد جاوز السبعين يتقدم من تلقاء نفسه إلي رئيس الجمعية العمومية التي اعتزمت محاكمة لويس السادس عشر ـ بخطاب يقول فيه‏:‏ لا أدري هل المجلس سيعين للويس السادس عشر محاميا يدافع عنه ؟ أم أنه سيترك له حرية الاختيار‏.‏ فإن كانت الثانية‏,‏ فإنني أحب أن يصل إلي علم لويس السادس عشر أنه إذا وقع اختياره علي لأداء هذه المهمة فإنني علي استعداد لأن أبذل في أدائها كامل جهدي‏.‏ لقد دعاني مرتين لأكون وزيرا وقت أن كان ذلك المركز مطمع أنظار الطامعين‏,‏ لذلك أعتقد أنني مدين بالوقوف إلي جواره في الوقت الذي يري الكثيرون ما ينطوي عليه ذلك من تضحية ومجازفة‏!!‏ لم يكن ماليزيرب العظيم من أنصار ما كان يجري إبان الملكية الآفلة‏,‏ فهو حبيب للشعب محب للعلم مغرم بالأدب‏,‏ ورفض في المرتين دعوته للاشتراك في مجلس الحكم‏,‏ وتخلي عن المنصب مرتين أخريين‏,‏ وكان من أشد المهاجمين لإساءة استخدام السلطة‏,‏ المنتصرين لكرامة واستقلال المحاماة‏,‏ وعلي رأس المطالبين بإلغاء خطابات السجن بغير محاكمة‏..‏ وإلي ذات هذا النظر السامق في احترام حق الإنسان في الدفاع عن نفسه ـ صدر ماليزيرب في إقدامه ومعه مساعده علي الدفاع عن الملك المخلوع‏!!‏
لم تمنعه ظروف المحاكمة‏,‏ ولا القاعة الغاصة بأعداء الملك والملكية‏,‏ والجماهير الصاخبة‏,‏ ولا شبح المقصلة المخيم‏,‏ ولا سطوة هيئة المحكمة ـ من أن يخاطب الملك المخلوع بالأدب اللائق بمنصبه الذي كان‏,‏ فعيل صبر المحكمة فقال له رئيسها في غلظة وجفاء‏:‏ من أين لك تلك السلطة التي تخولك أن تدعـو لويس كأبيه باللقب الذي ألغيناه ؟‏!..‏ لم يهب ماليزيرب أن يقول‏:‏ من ازدرائي لما يجري هنا‏,‏ ومن حياتي كلها‏!..‏ إلي جواره وقف دي سيز يقول لمن نصبوا من أنفسهم قضاة ـ خارج الشرعية ـ لمحاكمة لويس السادس عشر‏:‏ إنني أجول ببصري أبحث عن قضاة فلا أجد إلا خصوما‏!!..‏ لم ترهب فارسي المحاماة ـ المقاصل المنصوبة في كل مكان‏,‏ ولا أنهار الدماء الجارية بغير عقل‏,‏ فوقف دي سيز ينادي بأعلي صوته إن الخصم لا يجوز أن يكون حكماي‏,‏ وإن القاضي إذا أبدي نظره في القضية المعروضة أمامه لم يعد جائزا له أن ينظرها أو يحكم فيها‏!!..‏ كان الفارسان يعلمان النتيجة المحتومة لهذه الجـرأة في أداء رسالة الدفاع‏,‏ ولا يستبعدان أن تحصد المقصلة رأسيهما كما حصدت رءوسا غيرهما ـ وقد للأسف كان‏!!!‏ فلم يمض عام علي إعدام لويس السادس عشر حتي أعدم ماليزيرب وأفراد أسرته‏,‏ ولحق به دي سيز جزاء قيامهما بواجب المحاماة وقربانا لحريتها واستقلالها وفروسيتها‏!‏
حدث في دنشواي
بغض النظر ـ وهو لا يغض‏!‏ ـ عن سقطة الهلباوي في دنشواي التي ظل يدفع ثمنها ما بقي من عمره‏,‏ وبعد رحيله‏,‏ وسقطة بطرس باشا غالي وفتحي بك زغلول اللذين قبلا رئاسة وعضوية المحكمة المخصوصة التي أحالـوا إليهـا‏59‏ متهما‏,‏ وحكمت حكما ظالمـا نص فيه علي أنه لا يقبل الطعن ـ قضت فيه بإعدام أربعة‏,‏ وبالأشغال الشاقة المؤبدة علي اثنين‏,‏ وبالأشغال الشاقة‏15‏ سنة علي واحد‏,‏ وبالأشغال الشاقة سبع سنين علي ستة‏,‏ وبالحبس سنة مع الشغل علي ثلاثة مع جلدهم خمسين جلدة‏,‏ وبجلد خمسة‏,‏ خمسين جلدة‏,‏ علي أن يتم الإعدام والجلد علي الملأ بقرية دنشواي ـ مقابل ضابط لم يقتله أحد وإنما قتلته ضربة شمس‏!!..‏ يومها وقفت مصر كلها دامعة محزونة إزاء بطش وجبروت الاحتلال‏!‏
بينما نهض أربعة من فرسان المحاماة فلفتوا بدفاعهم أنظار العالم وهزوا الدنيا وأدموا الضمائر‏!!:‏ أحمد لطفي السيد‏,‏ ومحمد يوسف‏,‏ وعثمان يوسف‏,‏ وإسماعيل عاصم‏..‏ لم يوقف دفاعهم الحكم المزمع‏,‏ ولكنه كشف للعالم زيف الاتهام‏,‏ ويومها وقف محمد بك يوسف يتساءل قائلا‏:‏ كيف يزعم الزاعم أن فكرة القتل كانت مقصودة من قبل الأهالي الذين يسكنون بلدا مؤلفا من ثلاثة آلاف نفس اجتمعوا علي خمس أرواح بقصد قتلهم ثم ينجون بأنفسهم أحياء ؟‏!‏ فأي قوة كان عليها هؤلاء الضباط الخمسة حتي حفظوا حياتهم من غائلة المتهمين ؟‏!..‏ إن تجمهر الأهالي كـان شيئا طبيعيا للاستغاثة ومواجهة الحريق الذي تسبب الضباط في إشعاله‏!!‏
لا تصل الحقيقة إلي القاضي سهلة ميسورة‏,‏ بل قد لا تصل إليه علي الإطلاق‏,‏ وقد يقيض لها من طلاب الزيف والبهتان من يحجبونها حجبا كثيفا‏,‏ وأن يطمسوا عليها ويطمسوا أدلتها‏,‏ وقد يصطنعون أدلة كاذبة للإيحاء بغير الحقيقة‏,‏ بينما القاضي علي منصته العالية ـ مع تقيده بحدود الخصومة ـ غير متاح له أن يطلع علي ما جري ويجري وراء أستار الخفاء‏!‏
حجب الخفاء لطمس الحقيقة وإدخال الزيف عليها ـ تصاحب الخصومة ربما من منبتها ـ فيحتال رجل الضبط لإهدار الشرعية الإجرائية‏,‏ والافتئات بغير سند مشروع علي حريات ومستودعات أسرار الناس‏,‏ وكثيرا ما يلازم ذلك قبض وتفتيش باطلان‏,‏ أو انتزاع اعتراف بالقسر والضغط والتعذيب والإرغام‏,‏ وهي وسائل من المحال معها أن تطمئن عدالة عادل إلي صدق الاعتراف ومطابقته للواقع‏,‏ سيما وهو كريه إلي النفس‏,‏ لا تقبل عليه ـ إن أقبلت‏!‏ ـ إلا مضطرة‏,‏ وتغدو صعوبة إثبات الإكراه للحمل علي الاعتراف‏,‏ في أنه قد يقف عند حد الإكراه المعنوي ولا يتعداه إلي إكراه مادي يمكن أن يترك علامات‏,‏ وقد تعددت فنون الإكـراه المادي وابتدعت فيه أساليب شيطانية يتأبي أن تترك أثرا يدل عليهـا‏,‏ فتغدو مهمة القاضي في جميع هـذه الأحوال مهمة بالغة العسر بـل والاستحالة‏,‏ لأن التعذيب ـ فضلا عـن فنونه المستحدثة ـ يجري علي أرض أو ملعب فاعليه‏,‏ محدود بحدود يتحكمون فيها مكانا وزمانا وشهودا‏,‏ حتي ليكاد القاضي يحسه ويلمسه ولكنه لا يمسك دليلا عليه‏!!..‏ هنالك تبدو وتتجلي إبداعات المحاماة التي تستطيع أن تهدي إلي الحقيقة بجمع الأدلة من مظانها‏,‏ واستخراج الدلالات والقرائن‏,‏ واستنباط المجهول من واقع معلوم يدل عليه ـ علي أن هـذه المهمة التي يجاهـد المحامي مجاهدة صعبة فيهـا‏,‏ محفوفة بأخطار الوقوع فيما قد يمسكه عليه رجل الضبط الذي من مصلحته أن يتصيد زلة لسان أو جمـوح عبارة أو سخونـة وصف ـ ليدمغه بالسب والقذف أو البلاغ الكاذب‏!!‏ ومن ثم يعرض المحامي الباذل فـي إخلاص لمغبة المساءلـة الجنائية عما عساه يمسكه عليه في سعيه الدءوب لكشـف الحقيقة للقاضي‏!!‏
القافز فوق الأشواك
ليس حال شهود الدعوي بأيسر حالا أو أهون مكابدة في المعالجة من إجراءات الضبط‏,‏ فليس كل الشهـود علي شاكلة واحدة‏,‏ أو من معدن واحـد‏..‏ منهـم الصادق والكاذب‏,‏ ومنهم المستقيم والملتوي‏,‏ ومنهم المتجرد والمغرض‏,‏ ومنهم المحايد والمنحاز‏,‏ ومنهم الأمين والخائن‏,‏ ومنهم البريء والخبيث‏,‏ وهم علي أشكال شتي‏,‏ وأغراض شتي‏,‏ ومعادن شتي‏..‏ بل إن أكثر الناس للحق والإنصاف كارهون‏,‏ وبذلك وصفهم القرآن المجيد فقال‏:‏ وأكثرهم للحق كارهون‏(‏ المؤمنون‏70)..‏ ولكن أكثرهم للحق كارهون‏(‏ الزخرف‏..78)‏ ومنهم كثمود مـن يستحبون العمي علي الهـدي‏(‏ فصلت‏17)‏ ومنهـم مـن يجادل فـي الباطل ولا يستحي من الحـق كالذين وصفهم القرآن الحكيم فقال‏:‏ يجادلونك في الحق بعد ما تبين كأنما يساقون إلي الموت وهم ينظرون‏(‏ الأنفال‏..6)‏ ومنهـم مـن لا يريد إلا خداعـا‏(‏ البقرة‏9‏ والأنفال‏..62)‏ ومنهم من يجترئون علي الكذب والزور‏,‏ ولا يقولون إلا منكرا من القول وزورا‏(‏ الحج‏30,‏ الفرقان‏72,‏ المجادلة‏2..)‏ فماذا يفعل القاضي إزاء هذه النوعيات بينما أوصاه القرآن ألا يقبل إلا شهادة ذوي العدل والصدق والاستقامة والأمانة‏,‏ فقال عـز من قائل‏:‏ وأشهدوا ذوي عدل منكم‏(‏ الطلاق‏2..)‏ علي أن حرص القاضي علي الاستشهاد بذوي العدل تقابله ظلال كثيفة علي المحامي بحكم تخففه وتحليقه بعيدا عن القيود الشكلية أن يجليهـا‏,‏ وجلاؤها يمض ويوجع من يكشف الدفاع ستر كذبه أو خداعـه أو ميله أو هـواه أو بهتانـه أو تزييفه أو تزويره أو انحيازه أو حنثه بيمينه‏,‏ وإزاحة الستار عن هذا وذاك محفوفة هي الأخري بالمخاطر‏,‏ يغدو أمامها المحامي كالقافز فوق الأشواك‏,‏ سواء فيما يجب أن يستقصيه ويحصله ويفسره ويكيفه‏,‏ أو فيما يلقيه أمام النيابة أو القضاء من قول وحجة وبرهان لإثبات ما يمسكه علي الشاهد ويعريه به‏..‏ وهذا بدوره باب مليء بالمخاطر والألغام‏,‏ فلن يرضي الشاهد أن ينعته المحامي بما كشفه من ستره‏,‏ ولن يوافقه أن يفضح أمره ويعري كذبه وزوره والتواءه‏,‏ وما أيسر أن ينازل المحامي أو ينازله دفاعه بالنيابة عنه ـ بأنه وقع في وهدة السب أو القذف أو البلاغ الكاذب‏,‏ فيغدو سيف الخطر مشهرا عليه في جميع أحواله‏:‏ محققا أو مستقصيا أو باحثا أو مترافعا‏!!‏
بل إن خطاب المحامي للنيابة أو للمحكمة‏,‏ لا يخلو من مخاطر زلل اللفظ أو تجاوز العبارة التي ربما عرضته للمسئولية ـ لأنه وهو يسعي للإقناع بما اقتنع به ووقر في خلده‏,‏ لا يتحدث حديث المحاضر الهادئ‏,‏ وإنما يتكلم بحماس وتأثر وانفعال المدافع المندمج في قضيته المتفاعل معهـا الشاعر بأوجاع موكله وبالمخاطر التي يمكن أن تحدق به‏,‏ والحانق أيضا علي تراكمات الزيف والزور والحجب والطمس والالتواء التي يسلكها أعداء الحـق الرامون لتزييف الحقيقة والافتئات علي الأبرياء أو الكيل لهم بمكاييل بعيدة عن سنن العدل والإنصاف ـ هذه المهمة الدقيقـة لا يؤديها المحامي ساكن النفس هادئ الخاطر أو متبلد الفؤاد‏,‏ وإنما هي شحنة من المشاعر تموج في صفحة وجدانه وتصاحبه فيما يقول ويومئ ويفعـل‏..‏ وليس يدرك هـذه المكابـدة إلا من يعانيهـا‏,‏ وهـي مكابدة تفتح علي المحامي أبوابا هائلة من المحاذير والأخطار‏,‏ كم أوذي بها ومنها محامون‏,‏ وكم انتهت الحيوات المهنية لمحامين‏,‏ وكم دخل بسببها محامون في أقضيات انتقلوا فيها من موقع المحاماة إلي موقف الاتهام‏,‏ فبذلوا من مصالحهم ومهنتهم وحاضرهم ومستقبلهم ما ترويه مجلدات حكت سير المحامين العظام ـ لعل من أكثرها دلالة سيرة المحامي الفذ مارشال هول‏,‏ وأسلاف عظام تحمل سيرهم مدونات سير المحامين المصريين‏.‏ خاض الأسلاف العظام معارك ضارية استرخصوا فيها مصالحهم وحيواتهم قبل أن تلتفت المدونات التشريعية لإقامة سياج من الضمانات لحماية المحامي وحق الدفاع ـ هذا السياج هو في حقيقته حماية للعدالة قبل أن يكون حماية لشخص المحامي‏,‏ لأن المحامي المرتجف لن يقدر علي حمل هموم البشر‏,‏ ناهيك بالمناضلة الصادقة من أجلها ـ وهذه هي رسالة المحاماة‏!‏
لكل متهم محام
يتفق الدستور المصري الحالـي‏,‏ والدساتير المصرية السابقـة‏,‏ مع دساتير العالم المتحضر‏,‏ في إعلاء كفالة حق الدفاع‏,‏ فتجري نصوص الدساتير‏,‏ ومواثيق حقوق الإنسان‏,‏ علي اختلاف يسير في الصياغات‏,‏ علي أن حق الدفاع بالأصالة والوكالة مكفول‏,‏ ويجري بذلك نص المادة‏69‏ من دستورنا الحالي‏(1971)‏ فيقول‏:‏ حق الدفاع أصالة أو بالوكالة مكفول‏.,‏ وهذه الكفالة ترتفع إلي التزام علي عاتق الدولة لا ترخص فيه‏,‏ يوجب أن يكون لكل متهم بجناية محام يدافع عنه‏(‏ المادة‏67‏ من الدستور‏),‏ فإن ضاقت إمكاناته المادية عن توكيل محام التزمت الدولة بانتداب محام علي نفقتها للدفاع عنه‏..‏ وهذا الإيجاب لوجود المحامي للدفاع عن المتهمين في جنايات‏,‏ يصدر عن إقرار بحقيقتين‏:‏ الأولي‏:‏ خطر الاتهام بجناية وما يستوجبه هذا الخطر من وجوب الارتفاع بكفالة حق الدفاع إلي درجة الإلزام‏,‏ والثانية‏:‏ التسليم بأهمية وجلال رسالـة المحاماة‏,‏ وبأن المحامي حامل هذه الرسالة يملك من العلم والمعرفة والمقدرة ما لا يملكه سواه حتي قدمه الدستور علي الأصيل‏,‏ فلم يبح للأصيل أن ينفرد بالدفاع عن نفسه في جناية‏,‏ بل ولم يجز القانون للأصيل أن ينفرد بقبول استجوابه أمام المحكمة‏,‏ فحظر استجوابه إلا بشرط موافقة محاميه ومهما وافق الأصيل‏!!..‏ يملك المحامي بمفرده‏,‏ بل ورغم رغبة موكله المتهم‏,‏ أن يعترض علي استجوابه وأن يقول للمحكمة‏:‏ لا‏,‏ فلا تملك إلا النزول علي اعتراضه والامتناع عن استجواب المتهم‏!..‏ وهذا الحق الخطير المعطي للمحامي يصدر عن تسليم والتفات بما لدور المحامي ومكانته وقدراته من أهمية بالغة تجعل وجوده في قضايا الجنايات لازما لزوم وجوب‏,‏ وتجعل موافقته شرطا لجواز استجواب المتهم في القضايا الجنائية بعامة‏..‏ هذا الوجوب الملزم ضمانة قدرها الدستور ومن ورائه القانون لحماية المتهم من مخاطر ومزالق الاتهام واحتمالات ما قد يرد عليه من اصطناع أو تجديف أو إرجاف أو تزييف‏,‏ ومن ثم فتح أبواب الافتئات والظلم والجور والحكم بغير الحق‏!‏
هذا التقديس الدستوري للدفاع بالوكالة عن طريق المحامين سدنة العدالة وحملة راية الحق‏,‏ لم يتحقق بيسر أو بين يوم وليلة‏,‏ وإنما جاء عبر طريق طويل طويل محفوف بالأخطار والمظالم‏,‏ وعبر واقعات هزت ضمير الإنسانية لأخطـاء جسيمة حصدت فيها أرواحا بريئة من أي ذنب أو جريرة‏!!‏ ربما لم تكن تحدث أو بذات البشاعة لو قدر للمظاليم محامون ـ أو محامون جادون أكفاء ـ يدرءون عنهم الالتباس الذي أصاب الحقيقة في أقضيات ضاعت فيها أرواح بريئة‏!!!‏
المقتول حي يرزق‏!‏
إبان القرن السابع عشر‏,‏ أدان القضاء الإنجليزي وحكم بإعدام جون وريتشارد ـ بيري‏,‏ ووالدتهمـا جـوان بيري بتهمـة أنهم قتلوا من يدعي وليم هاريسون عمدا مع سبق الإصرار والترصد‏,‏ وبعد أكثر من سنتين من تنفيذ حكم الإعدام شنقا ـ ظهر المجني عليه حيا يرزق لم يمسسه سوء‏!!!..‏ وفي إيطاليا‏,‏ روع الرأي العام بأنه بعد تسع سنوات من الحكم بالإعـدام الذي تخفف لحسـن الحظ إلي الأشغـال الشاقة المؤبدة ـ‏..‏ روع بظهور‏(‏ القتيل‏)‏ حيا يرزق بعد أن أدين أخوه المتهم بقتله من تسع سنوات‏!!..‏ وفي فرنسا‏,‏ وفي قضية غريبة صاحبتها ملابسات خادعة‏,‏ عرفت بقضية مدام بولين‏,‏ روعت الأمة الفرنسية في أواخر القرن قبل الماضي بأنه استبان بعد عشر سنوات أن زوج وشقيق المرأة المسكينة ـ التي حكم عليها بالأشغال الشاقة المؤبدة ـ لم يموتا قتلا بالسم كما اعتقدت المحكمة‏,‏ وإنما توفيا متأثرين بغاز أول أكسيد الكربون السام المتسرب عفوا إلي داخل الدار من قمينة جير حي كانت موقدة بالخلف يوم الوفاة‏..‏ يومها أعيد التحقيق في القضية‏,‏ وتكشفت الحقائق تباعا‏,‏ ووقف لو فافريه الأفوكاتو العمومي يدافع بنفسه عن هذه المسكينة التي أمضت بالسجن عشر سنوات ظلما‏,‏ ويطلب لها البراءة تكفيرا عن الخطأ الجسيم الذي وقع في حقها نتيجة عدم إقساط دفاعها حقه‏!!..‏ بيد أن المحامي الحاضر في إعادة المحاكمة مع الظليمة البائسة لم يشأ أن يترك منصة الدفاع قبل أن يشير إلي أن ابنتها التي تركتها في مهد طفولتها قد ظلت هذه السنوات العشر تعتقد أن أمها آثمة بقتل أبيها وخالها‏!‏
وفي مدينة شيكاغو بالولايات المتحدة‏,‏ في أوليات القرن الماضي‏,‏ وبعد استجواب ثقيل لجأ فيه المحققون إلي جميع وسائل العنف والتعذيب لحمل متهم علي الاعتراف باغتصاب وقتل فتاة عثر علي جثتها في‏1906/1/12,‏ فاعترف المتهـم ـ في غيبة دفاع حقيقي يحميه ـ بأنه القاتل‏,‏ ونسج رواية طويلة تفصيلية لظروف الاغتصاب والقتل‏,‏ فقضي بإعدامه وأعدم قبل أن تكتشف السلطات القضائية أن رواية الاغتصاب والقتل من نسج الخيال تحت وطأة التعذيب والإكراه‏,‏ الذي تواكب مع إصابة المتهم البريء بفصام عقلي تحول مع الخيالات والأوهام إلي حقائق‏(‏ وهمية‏)‏ أدت إلي الاعتراف الكاذب بتأثير الإيحاء الذاتي الذي صاحب الإكـراه في غيبة دفاع يرد عن هذا التعس غائلة العنف والضغط والإرهاب‏!!!..‏ شبيه بهذه المأساة مأساة إعدام جون ايفانز في بريطانيا بمنتصف القرن الماضي بتهمة قتل زوجته وابنته استنادا إلي اعترافات كاذبة لم يفتضح كذبها إلا بعد ثلاث سنوات من صدور وتنفيذ الحكم بإعدامه‏!!‏
وقد قيض للأمة الفرنسية ألا تنسي قط عقوبة خاطئة بالإعدام حصدت روحا بريئة حرقا بالنار‏,‏ فلم تكد تمضي عشرون عاما علي تنفيذ حكم الإعدام في جان دارك حرقا يوم‏30‏ مايو‏1431‏ ـ حتي مكنت والدتها من استئناف الحكم أمام البابا لرد شرف واعتبار جان دارك التي أعدمت ظلما بتهمة الهرطقة‏,‏ حيث عقدت المحكمة الدينية في كنيسة نوتر دام بباريس لتصدر حكمها بعدم شرعية المحاكمة السابقة‏,‏ وباعتبار المحكوم عليها في عداد الشهيدات وبإلغاء اتهامات الشعوذة والهرطقة التي أدينت بها‏,‏ ثم بعد قرون أعلنت الكنيسة في‏16‏ مايو‏1920‏ علي لسان البابا بنديت الخامس عشر منح جان دارك لقب قديسة‏!..‏ أما جاليليو الفلكي الإيطالي الشهير‏,‏ فلم يستطع أن ينجو بحياته إزاء تهمة الهرطقة في محاكمة غاشمة لأنه يقول‏:‏ إن الأرض تدور حول نفسها وحول الشمس ـ إلا بأن يساير محاكميه ويعترف علانية ـ في غيبة دفاع يحميه‏,‏ بأنه مخطئ فيما صدر عنه‏,‏ وأنه يعلن توبته عنه‏!..‏ يومها‏,‏ وقد أطلقت المحكمة سراحه لم تسمع عبارة أخذ يتمتم بها لنفسه وهـو خارج من القاعة‏:‏ ومع ذلك فإنها تدور‏!‏
هذه الحادثات والمآسي التي أقضت ضمير الإنسانية‏,‏ كانت وراء رفع وإعلاء وتقديس حـق الدفـاع والإيمان برسالـة المحاماة‏..‏ هذه الرسالة لا ينهض بها الخائفون ولا المرتعدون ولا المرتجفون أو المهددون في حرياتهم ومصائرهم‏..‏ من أجل ذلك‏,‏ ورعاية للإنسانية والعدالة ذاتها‏,‏ كانت الضمانات التي قررتها الدساتير والقوانين للمحامين كفالة لأداء حق الدفاع أداء جديا يحقق الغاية المعقودة عليه والمنشودة منه‏!‏
في الحلقة القادمة‏:‏ بين حصانة المحامي وحصانة القاضي
 

‏Email:rattia@ragaiattia.Com‏
‏www.ragaiattia.com


  طارق ندا    عدد المشاركات   >>  194              التاريخ   >>  17/7/2010



    

لاشك ان الخسارة الفادحة التى لحقت بالمحاميين لعدم وجود شخصية قوية وجديرة بمنصب النقيب كالاستاذ الفذ رجائى عطية قد ظهرت واضحة للجميع



 
 

 

الانتقال السريع           

 

  الموجودون الآن ...
  عدد الزوار 1476 / عدد الاعضاء 62